الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{حاصِبًا} ريحا تحصبهم بالحجارة، أي: ترميهم {بِسَحَرٍ} بقطع من الليل، وهو السدس الأخير منه. وقيل: هما سحران، فالسحر الأعلى قبل انصداع الفجر، والآخر عند انصداعه. وأنشد:
يقول: يا من تسألنى إن كنت تسألنى عن الحمر الوحشية لا غير، فقد مرت بأعلى السحرين وهو السحر الذي قبل انصداع الفجر. والأدنى: هو الذي عند انصداعه، أي مرت في السحر الأول تذأل بالهمز، أي: تسرع في المشي من ذأل كمنع: إذا مشى في خفة. ومنه: ذؤالة الذئب، وبين تسأل وتذأل الجناس المضارع. وصرف لأنه نكرة. ويقال: لقيته سحر: إذا لقيته في سحر يومه {نِعْمَةً} إنعاما، مفعول له {مَنْ شَكَرَ} نعمة اللّه بإيمانه وطاعته {وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ} لوط عليه السلام {بَطْشَتَنا} أخذتنا بالعذاب {فَتَمارَوْا} فكذبوا {بِالنُّذُرِ} متشاكين ف {طَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ} فمسحناها وجعلناها كسائر الوجه لا يرى لها شق. روى أنهم لما عالجوا باب لوط عليه السلام ليدخلوا قالت الملائكة خلهم يدخلوا، {إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ} فصفقهم جبريل عليه السلام بجناحه صفقه فتركهم يتردّدون لا يهتدون إلى الباب حتى أخرجهم لوط {فَذُوقُوا} فقلت لهم: ذوقوا على ألسنة الملائكة {بُكْرَةً} أوّل النهار وباكره، كقوله: مشرقين، و{مصبحين}.وقرأ زيد بن على رضى اللّه عنهما: {بكرة}، غير منصرفة، تقول: أتيته بكرة وغدوة بالتنوين. إذا أردت التنكير، وبغيره إذا عرّفت وقصدت بكرة نهارك وغدوته {عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ} ثابت قد استقرّ عليهم إلى أن يفضى بهم إلى عذاب الآخرة.فإن قلت: ما فائدة تكرير قوله: {فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}؟قلت: فائدته أن يجدّدوا عند استماع كل نبا من أنباء الأوّلين ادكارا واتعاظا، وأن يستأنفوا تنبها واستيقاظا، إذا سمعوا الحث على ذلك والبعث عليه، وأن يقرع لهم العصا مرات، ويقعقع لهم الشن تارات، لئلا يغلبهم السهو ولا تستولى عليهم الغفلة، وهكذا حكم التكرير، كقوله: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ} عند كل نعمة عدّها في سورة الرحمن، وقوله: {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} عند كل آية أوردها في سورة والمرسلات، وكذلك تكرير الأنباء والقصص في أنفسها لتكون تلك العبر حاضرة القلوب، مصورة للأذهان، مذكورة غير منسية في كل أوان. .[سورة القمر: الآيات 41- 42]: {وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41) كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42)}.{النُّذُرُ} موسى وهرون وغيرهما من الأنبياء، لأنهما عرضا عليهم ما أنذر به المرسلون.أو جمع نذير وهو الإنذار {بِآياتِنا كُلِّها} بالآيات التسع {أَخْذَ عَزِيزٍ} لا يغالب {مُقْتَدِرٍ} لا يعجزه شيء..[سورة القمر: الآيات 43- 46]: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43) أَمْ يَقولونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (46)}.{أَكُفَّارُكُمْ} يا أهل مكة {خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ} الكفار المعدودين: قوم نوح وهود وصالح ولوط وآل فرعون، أي أهم خير قوّة وآلة ومكانة في الدنيا، أو أقل كفرا وعنادا يعنى: أنّ كفاركم مثل أولئك بل شر منهم {أَمْ} أنزلت عليكم يا أهل مكة {بَراءَةٌ} في الكتب المتقدّمة.أنّ من كفر منكم وكذب الرسل كان آمنا من عذاب اللّه، فأمنتم بتلك البراءة {نَحْنُ جَمِيعٌ} جماعة أمرنا مجتمع {مُنْتَصِرٌ} ممتنع لا نرام ولا نضام. وعن أبى جهل أنه ضرب فرسه يوم بدر، فتقدّم في الصف وقال: نحن ننتصر اليوم من محمد وأصحابه، فنزلت {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ}.عن عكرمة: لما نزلت هذه الآية قال عمر: أي جمع يهزم، فلما رأى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع ويقول: {سيهزم الجمع} عرف تأويلها {وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} أي الأدبار كما قال:وقرئ: {الأدبار} {أَدْهى أشدّ} وأفظع. والداهية: الأمر المنكر لذي لا يهتدى لدوائه {وَأَمَرُّ} من الهزيمة والقتل والأسر. وقرئ: {سنهزم الجمع}. .[سورة القمر: الآيات 47- 50]: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (49) وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50)}.{فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ} في هلاك ونيران. أو في ضلال عن الحق في الدنيا، ونيران في الآخرة {مَسَّ سَقَرَ} كقولك: وجد مس الحمى وذاق طعم الضرب، لأنّ النار إذا أصابتهم بحرها ولقحتهم بإيلامها، فكأنها تمسهم مسا بذلك، كما يمس الحيوان ويباشر بما يؤذى ويؤلم. و{ذوقوا}: على إرادة القول. و{سقر}: علم لجهنم. من سقرته النار وصقرته إذا لوحته. قال ذو الرمّة:وعدم صرفها للتعريف والتأنيث كُلَّ شَيْءٍ منصوب بفعل مضمر يفسره الظاهر.وقرئ: {كل شيء} بالرفع. و{القدر} و{القدر} التقدير. وقرئ بهما، أي: خلقنا كل شيء مقدّرا محكما مرتبا على حسب ما اقتضته الحكمة. أو مقدّرا مكتوبا في اللوح.معلوما قبل كونه، قد علمنا حاله وزمانه {وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ} إلا كلمة واحدة سريعة التكوين {كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} أراد قوله: {كن}، يعنى أنه إذا أراد تكوين شيء لم يلبث كونه. .[سورة القمر: الآيات 51- 53]: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)}.{أَشْياعَكُمْ} أشباهكم في الكفر من الأمم {فِي الزُّبُرِ} في دواوين الحفظة {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ} من الأعمال ومن كل ما هو كائن {مُسْتَطَرٌ} مسطور في اللوح..[سورة القمر: الآيات 54- 55]: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)}.{وَنَهَرٍ} وأنهار، اكتفى باسم الجنس. وقيل: هو السعة والضياء من النهار. وقرئ بسكون الهاء. و{نهر}: جمع نهر، كأسد وأسد {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} في مكان مرضىّ. وقرئ: {في مقاعد صدق عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} مقرّبين عند مليك مبهم أمره في الملك والاقتدار، فلا شيء إلا وهو تحت ملكه وقدرته، فأى منزلة أكرم من تلك المنزلة وأجمع للغبطة كلها والسعادة بأسرها.عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة القمر في كل غب بعثه اللّه يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر». اهـ..قال الماوردي: قوله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} أي دنت وقربت، قال الشاعر:والمراد بالساعة القيامة، وفي تسميتها بالساعة وجهان:أحدهما: لسرعة الأمر فيها.الثاني: لمجيئها في ساعة من يومها.وروى طارق بن شهاب عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَلاَ يَزْدَادُ النَّاسُ عَلَى الدُّنْيَا إلاَّ حِرْصًا وَلاَ تَزْدَادُ مِنْهُمْ إِلاَّ بُعْدًا».{وَانشَقَّ الْقَمَرُ} فيه ثلاثة أقاويل:أحدها: معناه وضح الأمر وظهر والعرب تضرب مثلًا فيما وضح أمره، قال الشاعر: والثاني: أن انشقاق القمر هو انشقاق الظلمة عنه بطلوعه في أثنائها كما يسمى الصبح فلقًا لانفلاق الظلمة عنه، وقد يعبر عن انفلاقه بانشقاقه، كما قال النابغة الجعدي: الثالث: أنه انشقاق القمر على حقيقة انشقاقه.وفيه على هذا التأويل قولان:أحدهما: أنه ينشق بعد مجيء الساعة وهي النفخة الثانية، قاله الحسن، قال: لأنه لو انشق ما بقي أحد إلا رأه لأنها آية والناس في الآيات سواء.الثاني: وهو قول الجمهور وظاهر التنزيل أن القمر انشق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن سأله عمه حمزة بن عبد المطلب حين أسلم غضبًا لسب أبي جهل لرسول الله، أن يريه آية يزداد بها يقينًا في إيمانه، وروى مجاهد عن أبي معمر عن أبي مسعود قال: رأيت القمر منشقًا شقتين بمكة قبل مخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، شقة على أبي قبيس، وشقة على السويدا فقالوا: سحر القمر، فنزلت {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَ الْقَمَرُ}.{وَإِن يَرَوْاْ ءَايَةً يُعْرِضُواْ} فيه وجهان:أحدهما: أنه أراد أي آية روأها أعرضوا عنها ولم يعتبروا بها، وكذلك ذكرها بلفظ التنكير دون التعريف، قاله ابن بحر.الثاني: أنه عنى بالآية انشقاق القمر حين رأوه.{وَيَقولواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} فيه خمسة أوجه:أحدها: أن معنى مستمر ذاهب، قاله أنس وأبو عبيدة.الثاني: شديد، مأخوذ من إمرار الحبل، وهو شدة فتله، قاله الأخفش والفراء.الثالث: أنه يشبه بعضه بعضًا.الرابع: أن المستمر الدائم، قال امرؤ القيس: الخامس: أي قد استمر من الأرض إلى السماء، قاله مجاهد.{وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ} فيه أربعة أوجه:أحدها: يوم القيامة.الثاني: كل أمر مستقر في أن الخير لأهل الخير، والشر لأهل الشر، قاله قتادة.الثالث: أن كل أمر مستقر حقه من باطله.الرابع: أن لكل شيء غاية ونهاية في وقوعه وحلوله، قاله السدي.ويحتمل خامسًا، أن يريد به دوام ثواب المؤمن وعقاب الكافر.{وَلَقْدْ جَاءَهُم مِّنَ الأَنْبَاءِ} فيه وجهان:أحدهما: أحاديث الأمم الخالية، قاله الضحاك.الثاني: القرآن.{مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} أي مانع من المعاصي.ويحتمل وجهين:أحدهما: أنه النهي.الثاني: أنه الوعيد.{حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} قاله السدي: هي الرسالة والكتاب.
|